فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَلوطًا}.
يعني: وأرسلنا لوطًا {إذْ قَالَ لقَوْمه إنكمْ لَتَأْتونَ الفاحشة} قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص، {إنكمْ} على معنى الخبر.
وقرأ أبو عمرو {أَئنكمْ} بالمد على معنى الاستفهام، {لَتَأْتونَ الفاحشة} يعني: المعصية {مَا سَبَقَكمْ بهَا منْ أَحَدٍ من العالمين أَئنكمْ لَتَأْتونَ الرجال} واتفقوا في هذا الحرف على لفظ الاستفهام، واختلفوا في الأول، فقرأ الذين سميناهم على وجه الإخبار عنهم إنكم تفعلون، وتكون على وجه التعيير.
وقرأ الباقون الأول على وجه الاستفهام، فيكون اللفظ لفظ الاستفهام، والمعنى منه التوبيخ والتقريع ثم قال: {وَتَقْطَعونَ السبيل} يعني: تعترضون الطريق لمن مر بكم بعملكم الخبيث.
ويقال: {وَتَقْطَعونَ السبيل}.
يعني: تأخذون أموالكم، كانوا يفعلون ذلك، لكيلا يدخلوا في بلدهم، ويتناولوا من ثمارهم، ويقال: تقطعون السبيل النسل {وَتَأْتونَ في نَاديكم المنكر} يعني: تعملون في مجالسكم المنكر.
وقال بعضهم: يعني به اللواطة كانوا يفعلون ذلك في المجالس بالعلانية.
ويقال: أراد به المعاصي، وهي الرمي بالبندق الصغير والحذف، ومضغ العلك، وحل إزار القباء، واللعب بالحمام، وشرب الخمر، وضرب العود والمزامير، وغير ذلك من المعاصي.
وروت أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَتَأْتونَ في نَاديكم المنكر} قال: «كَانوا يَحْذفونَ أهْلَ الطريق وَيَسْخَرونَ منْهمْ» {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قَالوا ائتنا بعَذَاب الله إن كنتَ منَ الصادقين} بالعذاب، وإن العذاب نازل بنا {قَالَ رَب انصرنى} أي أعني {عَلَى القوم المفسدين} يعني: المشركين.
قوله عز وجل: {وَلَما جَاءتْ رسلنَا إبراهيم بالبشرى} يعني: بالبشارة بالولد {قَالوا إنا مهْلكو أَهْل هذه القرية} يعني: قريات لوط {إن أَهْلَهَا كَانوا ظالمين} يعني: كافرين {قَالَ} إبراهيم {إن فيهَا لوطًا} يعني: أتهلكهم وفيهم لوط {قَالوا} يعني: قال جبريل عليه السلام: {نَحْن أَعْلَم بمَن فيهَا لَننَجيَنه وَأَهْلَه إلا امرأته كَانَتْ منَ الغابرين} يعني: من الباقين في الهلاك {وَلَما أَن جَاءتْ رسلنَا لوطًا سىء بهمْ} يعني: ساء مجيئهم {وَضَاقَ بهمْ ذَرْعًا} يعني: اغتم بقدومكم، فلا يدري أيأمرهم بالخروج أم بالنزول.
ويقال: ضاق بهم القلب {وَقَالوا لاَ تَخَفْ} علينا {وَلاَ تَحْزَنْ} من العذاب {إنا منَجوكَ وَأَهْلَكَ} قرأ حمزة والكسائي {لَننَجيَنه} و{إنا منَجوكَ} كلاهما بالتخفيف.
وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم كلاهما بالتشديد.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم الأول بالتشديد، والثاني بالتخفيف، ومعناهما واحد.
ويقال: أنجيته ونجيته بمعنى واحد {إلا امرأتك كَانَتْ منَ الغابرين}.
ثم قال عز وجل: {إنا منزلونَ على أَهْل هذه القرية} قرأ ابن عامر وعاصم في إحدى الروايتين {منزلونَ} بالتشديد.
وقرأ الباقون بالتخفيف ومعناهما واحد {رجْزًا منَ السماء} يعني: أنزلنا عذابنا من السماء {بمَا كَانوا يَفْسقونَ} يعني: يعصون الله عز وجل.
قوله عز وجل: {وَلَقَد ترَكْنَا منْهَا} يعني: من قرية لوط {بَينَةً لقَوْمٍ} يعني: علامة ظاهرة واضحة يعني: هلاكهم علامة ظاهرة ويقال: قرياتهم علامة ظاهرة {لقَوْمٍ يَعْقلونَ} يعني: لمن كان له ذهن الإنسانية {وَلَقَد ترَكْنَا منْهَا ءايَةً}.
يعني: الحجارة التي أنزلها الله تعالى من السماء على كل واحد منها اسم صاحبها {وإلى مَدْيَنَ} يعني: وأرسلنا إلى مدين {أخاهم شعَيْبًا} يعني: نبيهم شعيبًا {فَقَالَ يا قوم قَوْم اعبدوا الله} يعني: وحدوا الله وأطيعوه {وارجوا اليوم الآخر} يعني: خافوا يوم القيامة، لأنه آخر الأيام.
ويقال: يوم الموت، وهو آخر أيامهم {وَلاَ تَعْثَوْا في الأرض مفْسدينَ} يعني: لا تعملوا في الأرض بالمعاصي في نقصان الكيل والوزن {فَكَذبوه} يعني: أوعدهم بالعذاب على نقصان الكيل والوزن.
فكذبوه {فَأَخَذَتْهم الرجفة} يعني: العذاب.
ويقال: الزلزلة، وأصله الحركة {فَأَصْبَحوا في دَارهمْ} يعني: صاروا في دارهم يعني: في محلتهم {جاثمين} يعني: ميتين، أو يقال: خامدين فصاروا كالرماد.
ويقال: جثم بعضهم على بعض بالموت.
وقال أبو سهل: جاثمين، أي ساقطين على وجوههم وركبهم.
وقال مقاتل: شبه أرواحهم في أجسادهم، وهم أحياء بالنار إذا اتقدت، ثم طفئت، فبينما هم أحياء إذ صاح بهم جبريل، فصعقوا أمواتًا أجمعين.
ثم قال عز وجل: {وَعَادًا وَثَمودَ} وقال بعضهم: انصرف إلى قوله: {وَلَقَدْ فَتَنا الذين من قَبْلهمْ فَلَيَعْلَمَن الله الذين صَدَقوا وَلَيَعْلَمَن الكاذبين} [العنكبوت: 3] وقال بعضهم: انصرف إلى قوله: {فَأَخَذَتْهم الرجفة فَأَصْبَحوا في دَارهمْ جاثمين} [الأعراف: 78] يعني: أخذهم العذاب وأخذ عادًا وثمودًا.
ويقال: معناه اذكر عادًا وثمودًا، أو يقال: صار نصبًا لنزع الخافض ومعناه: وأرسلنا الرسل إلى عاد وثمود.
{وَقَد تبَينَ لَكم من مساكنهم} يعني: ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم آية في إهلاكهم.
{وَزَينَ لَهم الشيطان أعمالهم} يعني: ضلالتهم {فَصَدهمْ عَن السبيل} يعني: صرفهم عن الدين، ويقال: منعهم عن التوحيد.
ويقال: صد يصد صدا إذا منعه وصد يصد صدودًا إذا امتنع بنفسه وأعرض.
قوله: {وَكَانوا مسْتَبْصرينَ} في دينهم وهم يرون أنهم على الحق، وهم على الباطل.
ويقال: كانوا مستبصرين، أي: ذوي بصيرة، ومع ذلك جحدوا.
ثم قال عز وجل: {وقارون وَفرْعَوْنَ وهامان} يعني: أهلكنا قارون وفرعون وهامان {وَلَقَدْ جَاءهمْ موسى بالبينات} يعني: بالعلامات والآيات {فاستكبروا في الأرض} يعني: طغوا فيها، وتعظموا عن الإيمان {وَمَا كَانوا سابقين} يعني: بفائتين من عذابنا.
قوله عز وجل: {فَكلًا أَخَذْنَا بذَنبه} يعني: كلهم أهلكناهم بذنوبهم.
ويقال: معناه أهلكنا كل واحد منهم بذنبه لا بذنب غيره.
{فَمنْهم من أَرْسَلْنَا عَلَيْه حَاصبًا} يعني: الحجارة، وهم قوم لوط.
{وَمنْهمْ منْ خَسَفْنَا به الأرض} يعني: قارون {وَمنْهمْ منْ أَغْرَقْنَا} وهم فرعون وقومه.
وقال العتبي الأخذ أصله باليد، ثم يستعار في مواضع، فيكون بمعنى القبول، كقوله عز وجل: {وَإذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين لَمَآ ءَاتَيْتكم من كتاب وَحكْمَةٍ ثم جَاءَكمْ رَسول مصَدق لمَا مَعَكمْ لَتؤْمنن به وَلَتَنصرنه قَالَ ءَأَقْرَرْتمْ وَأَخَذْتمْ على ذلكم إصْرى قالوا أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا وَأَنَا مَعَكمْ منَ الشاهدين} [آل عمران: 81] أي قبلتم عهدي، والأخذ التعذيب، كقوله: {وكذلك أَخْذ رَبكَ} وكقوله: {فَكلًا أَخَذْنَا بذَنبه} يعني: عذبنا، وكقوله: {كَذبَتْ قَبْلَهمْ قَوْم نوحٍ والاحزاب من بَعْدهمْ وَهَمتْ كل أمةٍ برَسولهمْ ليَأْخذوه وجادلوا بالباطل ليدْحضوا به الحق فَأَخَذْتهمْ فَكَيْفَ كَانَ عقَاب} [غافر: 5] يعني: ليعذبوه {وَمَا كَانَ الله ليَظْلمَهمْ} يعني: لم يعذبهم من غير جرم منهم.
{ولكن كَانوا أَنفسَهمْ يَظْلمونَ} بجرمهم يستوجبون العقوبة.
قوله عز وجل: {مَثَل الذين اتخذوا من دون الله أَوْليَاء} يعني: مثل عبادتهم الأصنام في الضعف، وقلة نفعهم إياهم.
{كَمَثَل العنكبوت اتخذت بَيْتًا وَإن أَوْهَنَ البيوت} يعني: أضعف البيوت {لَبَيْت العنكبوت} لأنه لا يغني من حر ولا من برد ولا من مطر وكذلك آلهتهم لا يدفعون عنهم ضرا، ولا يقدرون لهم نفعًا.
ثم قال: {لَوْ كَانوا يَعْلَمونَ} يعني: لو كانوا يعلمون أن اتخاذهم الأصنام كذلك، لأنهم قد علموا أن بيت العنكبوت أوهن البيوت، ولكن قوله: {لَوْ كَانوا يَعْلَمونَ} انصرف إلى قوله: {اتخذوا} يعني: لا يعلمون أن هذا مثله.
ثم قال عز وجل: {إن الله يَعْلَم مَا يَدْعونَ من دونه من شَىْء} وهذه كلمة تهديد، يعني: يعلم بعقوبتهم.
ويقال: إن الله يعلم أن الآلهة لا شفاعة لهم ولا قدرة.
{وَهوَ العزيز} بالنعمة لمن عصاه {الحكيم} حكم بالعقوبة على من عبد غيره، ويقال: حكم أن لا يعبد غيره.
{وَتلْكَ الامثال نَضْربهَا للناس} يعني: أمثال آلهتهم نبينها للناس.
{وَمَا يَعْقلهَا إلا العالمون} يعني: لا يفهمها ويعلمها إلا الموحدون، ويقال: يعني: العاقلين.
قرأ أبو عمرو وعاصم {إن الله يَعْلَم مَا يَدْعونَ} بالياء على لفظ المغايبة.
وقرأ الباقون بالتاء على لفظ المخاطبة، يعني: قل لهم يا محمد إن الله يعلم ما تدعون من دونه.
ثم قال عز وجل: {خَلَقَ الله السموات والأرض بالحق} يعني: بالعدل، ويقال: لبيان الحق، ولم يخلقها باطلًا.
{إن في ذَلكَ} أي: خلق السموات والأرض {لآيَةً} يعني: لعبرات {للْمؤْمنينَ} يعني: المصدقين وإنما أضاف إلى المؤمنين لأنهم هم الذين ينتفعون بها.
قوله عز وجل: {اتل مَا أوْحىَ إلَيْكَ} يعني: اقرأ عليهم ما أنزل إليك {منَ الكتاب} يعني: من القرآن.
ويقال: هو أمر بتلاوة القرآن، يعني: اقرؤوا القرآن، واعملوا بما فيه.
{اتل مَا} يعني: وأتم الصلاة {اتل مَا أوْحىَ إلَيْكَ منَ الكتاب} يعني: ما دام العبد يصلي لله عز وجل انتهى عن الفحشاء والمنكر والمعاصي.
ويقال: {اتل مَا} يعني: وأد الصلاة الفريضة في مواقيتها بركوعها وسجودها والتضرع بعدها {اتل مَا أوْحىَ إلَيْكَ منَ} يعني: إذا صلى العبد لله صلاة خاشع يمنعه من المعاصي، لأنه يرق قلبه، فلا يميل إلى المعاصي.
وروى أبو أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ لَمْ تَنْهَه صَلاَته عَن الفَحْشَاء وَالمنْكَر لَمْ تَزدْه صَلاته عنْدَ الله إلا مَقْتًا» وروي عن الحسن البصري رحمه الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ لَمْ تَنْهَه صَلاَتَه عَن فَحْشَاءَ وَلاَ منْكَرٍ لَمْ يَزْدَدْ بهَا منَ الله إلا بعْدًا» وقال الحسن: إذا لم تنته بصلاتك عن الفحشاء فلست بمصَلٍ.
ثم قال: {وَلَذكْر الله أَكْبَر} يعني: أفضل من سائر العبادات.
وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: قراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من صلاة لا يكون فيها كثير القراءة، ثم قرأ هذه الآية: {اتل مَا أوْحىَ إلَيْكَ منَ الكتاب وَأَقم الصلاة إن الصلاة تنهى} قال مقاتل: ولذكر الله إياك أفضل من ذكرك إياه بالصلاة، وقال الكلبي: يقول: ذكره إياكم بالخير أكبر من ذكركم إياه، والله يذكر من ذكره بالخير.
قال أبو الليث رحمه الله: حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا الماسرجسي قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة، قال سألني ابن عباس عن قوله: {وَلَذكْر الله أَكْبَر} فقلت: هو التسبيح والتهليل والتقديس، فقال: لقد قلت شيئًا عجيبًا، وإنما هو ذكر الله العباد أكثر من ذكر العباد إياه.
وقال قتادة: {وَلَذكْر الله أَكْبَر} أي: ليس شيء أفضل من ذكر الله.
وسئل سلمان الفارسي أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله.
ويقال: ذكر الله أفضل من الاشتغال بغيره.
ويقال: ذكر الله حين كتبكم في اللوح المحفوظ من المسلمين أفضل.
ويقال: ذكر الله عز وجل لك بالمغفرة أفضل من ذكرك إياه.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ ذَكَرَ الله في نَفْسه ذَكَرَه الله في نَفْسه وَمَنْ ذَكَرَه في مَلإٍ ذَكَرَه الله عَز وَجَل في مَلإٍ أَكْبَرَ منَ المَلإ الذي ذَكَرَه فيهمْ وَأَطْيَبَ، وَمَنْ تَقَربَ منَ الله شبْرًا تَقَربَ الله منْه ذرَاعًا يعني: بإجابته وتوفيقه ورحمته وَمَنْ تَقَربَ إلى الله تَعَالَى ذرَاعًا تَقَربَ الله منْه باعًا، وَمَنْ أتَى الله مَاشيًا أتاه هَرْوَلةً» يعني: بإجابته وتوفيقه ثم قال تعالى: {والله يَعْلَم مَا تَصْنَعونَ} من الخير والشر فيجازيكم به. اهـ.